وسط عواصف الشعبوية الاستبدادية، تكون الانتصارات الديمقراطية ثمينة بشكل خاص. في تركيا، يمثل عمدة إسطنبول الجديد تحدياً متفائلاً أمام حكم الرجل القوي في البلاد «رجب طيب أردوغان»، الذي دام 15 عاماً. وفي بريطانيا هذا الأسبوع، يقف البرلمان في مواجهة رئيس وزراء عازم على اتباع سياسة مدمرة بأقل قدر ممكن من السلطات.
قبل ثلاث سنوات، صوّت البريطانيون بهامش ضعيف نسبته 52% مقابل 48% لترك الاتحاد الأوروبي. وقد حصلوا على تأكيدات بأن طريقة المغادرة ستكون سلسة ومربحة. وسيتوق الأوروبيون لإقامة علاقة تجارية جديدة مع بريطانيا، لأن شركات صناعة السيارات الألمانية ستفضل بيع منتجاتها في السوق البريطانية. وترك الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يحرر الأموال لخدمة الصحة الوطنية وغيرها من البرامج العامة. ولن تكون هناك أي تداعيات خطيرة بالنسبة للاقتصاد البريطاني أو بالنسبة لعلاقة إنجلترا بإيرلندا أو أسكتلندا.
وبعد ثلاث سنوات تبين أن هذه الوعود ما هي إلا أكاذيب. فقد أدت المفاوضات العنيدة مع الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق انسحاب غير جذاب للغاية لدرجة أنه لم يتمكن من المرور في البرلمان، ولم يبدأ بعد العمل على صياغة علاقة تجارية جديدة لتحل محل عضوية الاتحاد الأوروبي. وبدلاً من توفير أموال دافعي الضرائب، تنص اتفاقية الانسحاب على أنه يتعين على بريطانيا دفع رسوم خروج هائلة تقدر بنحو 50 مليار دولار لأوروبا. وكان الاقتصاد البريطاني، الذي اعتاد أن يكون واحدا من أفضل الاقتصادات أداءً في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، قد تراجع إلى المراكز الأخيرة في جدول الرابطة. ومن ناحية أخرى، فإن السلام في إيرلندا على المحك، بينما عاد الإسكتلنديون للحديث مرة أخرى عن الاستقلال. وعلى الرغم من أن الرأي قد تغير بشكل أقل مما تتوقع في مواجهة هذا الدليل، فمن المحتمل أن يؤدي إجراء استفتاء ثانٍ إلى إلغاء التصويت لمغادرة الاتحاد الأوروبي.
قبل الاستفتاء، كان رئيس وزراء بريطانيا الحالي «بوريس جونسون» يبدو غير واثق أي جانب يفضل. وبصفته عمدة لندن، فقد رفض بشكل خاص فكرة الانسحاب من أوروبا، مدركاً الأضرار التي ستلحق بصادرات المدينة من الخدمات المالية. وفي الفترة التي سبقت الاستفتاء، قام بكتابة عمود لم تنشره الصحف يحذر فيه من أن «بريكست» سيتسبب في صدمة اقتصادية، ويشجع أعداءً مثل فلاديمير بوتين وربما حتى يؤدي إلى تفكك المملكة المتحدة. ولكن، مع اهتمامه بشغف وبشكل خاص بفرصه في الحصول على منصب رئيس الوزراء، بدا جونسون متأرجحاً لصالح«بريكست».
كان جونسون قد فُصل من عمله كصحفي لقيامه بفبركة اقتباس. وخلال حملة الاستفتاء، كانت حافلة حملته مليئة بملصقات عليها كذبه كبيرة بشأن مدخرات دافعي الضرائب جراء مغادرة الاتحاد الأوروبي. والآن، بعد أن ضمن رئاسة الوزراء من خلال الفوز بشكل جزئي بنحو 92 ألف صوت من أعضاء حزبه المحافظ –ما يمثل إجمالا نحو 0.2% من الناخبين البريطانيين –نزل جونسون إلى أعماق جديدة من السخرية.
وخلافا لوعود استفتاء جونسون، ولكن بما يتوافق مع مخاوفه غير المعلنة، تهدد عملية «بريكست»السلام في إيرلندا.
لقد تقلص الاقتصاد البريطاني في الربع الأخير، وبدلاً من تخفيف موقفه المؤيد ل«بريكست»، يعد جونسون بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بنهاية شهر أكتوبر عن طريق الاستغناء عن الحاجة إلى إبرام اتفاق للانسحاب. إن رئيس الوزراء يقدم على خطوة متهورة كوسيلة لإنهاء عملية «بريكست»، بنفس الطريقة التي يحاول بها طبيب الأسنان إنهاء معاناتك عن طريق التخلص من ضرسك. وعد جونسون الأخير ما هو إلا مجرد كذبة ساخرة أخرى. إذا تركت بريطانيا الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، فستحتاج على الفور إلى التفاوض مع أوروبا حول ترتيبات جمركية وقواعد سلامة الأغذية ومعاملة المغتربين وما إلى ذلك. إن أوروبا ليست الأسنان الفاسدة التي يمكن التخلص منها ونسيانها.
ويقرن جونسون هدفاً مدمراً مع تكتيكات مدمرة بنفس القدر. يعارض أغلبية الناخبين خطته بإتمام «بريكست» من دون اتفاق، وأغلبية المشرعين المنتخبين يعتبرون ذلك جنونا. لذلك قرر رئيس الوزراء إسكات المعارضين من خلال تعليق البرلمان. وحتى أيام قليلة ماضية، كان هذا الانقلاب المعادي للديمقراطية يبدو جاهزا للتنفيذ. ولكن المشرعين هذا الأسبوع يستغلون الأيام الأخيرة قبل تعليقهم لمنع إتمام الخروج من دون اتفاق. وتشير سلسلة من الهزائم التي لحقت برئيس الوزراء في الانتخابات البرلمانية إلى أنه فقد السيطرة على الحكومة.
وبطريقة أو بأخرى، من المحتمل أن تؤدي الفوضى إلى إجراء انتخابات. والنتيجة غير مؤكدة للغاية، لأن خصم جونسون الرئيس، زعيم حزب «العمال» المعادي للرأسمالية «جيرمي كوربين» ليس أكثر جاذبية منه. والأمل الوحيد هو أن ينشأ وسط سياسي جديد من الفوضى. إنه ليس نوع المعجزة التي سيراهن عليها النقاد الحكماء. ولكنهم أيضا لم يتوقعوا عمدة إسطنبول الجديد الذي انتصر على مرشح أردوغان لإدارة المدينة التركية الأكثر أهمية.
*زميل بارز متخصص في الاقتصاد الدولي ب«مجلس العلاقات الخارجية الأميركية»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
قبل ثلاث سنوات، صوّت البريطانيون بهامش ضعيف نسبته 52% مقابل 48% لترك الاتحاد الأوروبي. وقد حصلوا على تأكيدات بأن طريقة المغادرة ستكون سلسة ومربحة. وسيتوق الأوروبيون لإقامة علاقة تجارية جديدة مع بريطانيا، لأن شركات صناعة السيارات الألمانية ستفضل بيع منتجاتها في السوق البريطانية. وترك الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يحرر الأموال لخدمة الصحة الوطنية وغيرها من البرامج العامة. ولن تكون هناك أي تداعيات خطيرة بالنسبة للاقتصاد البريطاني أو بالنسبة لعلاقة إنجلترا بإيرلندا أو أسكتلندا.
وبعد ثلاث سنوات تبين أن هذه الوعود ما هي إلا أكاذيب. فقد أدت المفاوضات العنيدة مع الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق انسحاب غير جذاب للغاية لدرجة أنه لم يتمكن من المرور في البرلمان، ولم يبدأ بعد العمل على صياغة علاقة تجارية جديدة لتحل محل عضوية الاتحاد الأوروبي. وبدلاً من توفير أموال دافعي الضرائب، تنص اتفاقية الانسحاب على أنه يتعين على بريطانيا دفع رسوم خروج هائلة تقدر بنحو 50 مليار دولار لأوروبا. وكان الاقتصاد البريطاني، الذي اعتاد أن يكون واحدا من أفضل الاقتصادات أداءً في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، قد تراجع إلى المراكز الأخيرة في جدول الرابطة. ومن ناحية أخرى، فإن السلام في إيرلندا على المحك، بينما عاد الإسكتلنديون للحديث مرة أخرى عن الاستقلال. وعلى الرغم من أن الرأي قد تغير بشكل أقل مما تتوقع في مواجهة هذا الدليل، فمن المحتمل أن يؤدي إجراء استفتاء ثانٍ إلى إلغاء التصويت لمغادرة الاتحاد الأوروبي.
قبل الاستفتاء، كان رئيس وزراء بريطانيا الحالي «بوريس جونسون» يبدو غير واثق أي جانب يفضل. وبصفته عمدة لندن، فقد رفض بشكل خاص فكرة الانسحاب من أوروبا، مدركاً الأضرار التي ستلحق بصادرات المدينة من الخدمات المالية. وفي الفترة التي سبقت الاستفتاء، قام بكتابة عمود لم تنشره الصحف يحذر فيه من أن «بريكست» سيتسبب في صدمة اقتصادية، ويشجع أعداءً مثل فلاديمير بوتين وربما حتى يؤدي إلى تفكك المملكة المتحدة. ولكن، مع اهتمامه بشغف وبشكل خاص بفرصه في الحصول على منصب رئيس الوزراء، بدا جونسون متأرجحاً لصالح«بريكست».
كان جونسون قد فُصل من عمله كصحفي لقيامه بفبركة اقتباس. وخلال حملة الاستفتاء، كانت حافلة حملته مليئة بملصقات عليها كذبه كبيرة بشأن مدخرات دافعي الضرائب جراء مغادرة الاتحاد الأوروبي. والآن، بعد أن ضمن رئاسة الوزراء من خلال الفوز بشكل جزئي بنحو 92 ألف صوت من أعضاء حزبه المحافظ –ما يمثل إجمالا نحو 0.2% من الناخبين البريطانيين –نزل جونسون إلى أعماق جديدة من السخرية.
وخلافا لوعود استفتاء جونسون، ولكن بما يتوافق مع مخاوفه غير المعلنة، تهدد عملية «بريكست»السلام في إيرلندا.
لقد تقلص الاقتصاد البريطاني في الربع الأخير، وبدلاً من تخفيف موقفه المؤيد ل«بريكست»، يعد جونسون بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بنهاية شهر أكتوبر عن طريق الاستغناء عن الحاجة إلى إبرام اتفاق للانسحاب. إن رئيس الوزراء يقدم على خطوة متهورة كوسيلة لإنهاء عملية «بريكست»، بنفس الطريقة التي يحاول بها طبيب الأسنان إنهاء معاناتك عن طريق التخلص من ضرسك. وعد جونسون الأخير ما هو إلا مجرد كذبة ساخرة أخرى. إذا تركت بريطانيا الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، فستحتاج على الفور إلى التفاوض مع أوروبا حول ترتيبات جمركية وقواعد سلامة الأغذية ومعاملة المغتربين وما إلى ذلك. إن أوروبا ليست الأسنان الفاسدة التي يمكن التخلص منها ونسيانها.
ويقرن جونسون هدفاً مدمراً مع تكتيكات مدمرة بنفس القدر. يعارض أغلبية الناخبين خطته بإتمام «بريكست» من دون اتفاق، وأغلبية المشرعين المنتخبين يعتبرون ذلك جنونا. لذلك قرر رئيس الوزراء إسكات المعارضين من خلال تعليق البرلمان. وحتى أيام قليلة ماضية، كان هذا الانقلاب المعادي للديمقراطية يبدو جاهزا للتنفيذ. ولكن المشرعين هذا الأسبوع يستغلون الأيام الأخيرة قبل تعليقهم لمنع إتمام الخروج من دون اتفاق. وتشير سلسلة من الهزائم التي لحقت برئيس الوزراء في الانتخابات البرلمانية إلى أنه فقد السيطرة على الحكومة.
وبطريقة أو بأخرى، من المحتمل أن تؤدي الفوضى إلى إجراء انتخابات. والنتيجة غير مؤكدة للغاية، لأن خصم جونسون الرئيس، زعيم حزب «العمال» المعادي للرأسمالية «جيرمي كوربين» ليس أكثر جاذبية منه. والأمل الوحيد هو أن ينشأ وسط سياسي جديد من الفوضى. إنه ليس نوع المعجزة التي سيراهن عليها النقاد الحكماء. ولكنهم أيضا لم يتوقعوا عمدة إسطنبول الجديد الذي انتصر على مرشح أردوغان لإدارة المدينة التركية الأكثر أهمية.
*زميل بارز متخصص في الاقتصاد الدولي ب«مجلس العلاقات الخارجية الأميركية»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»